بسم الله الرحمن الرحيم
الإخوة والأخوات،
المواطنون الكرام وجميع المقيمين في دولة قطر،
أبارك لكم حلول شهر رمضان المبارك راجياً أن يكون شهر يمن وبركة على وطننا العزيز والأمتين العربية والإسلامية والإنسانية جمعاء.
لقد فرضت علينا ظروف هذا العام أن نستعيض عن الاستقبالات بمخاطبتكم، ولا أقول عن بعد، بل عن قرب.
يستدعي هذا الشهر أسمى قيم ديننا الحنيف، وما يتأسس عليها من فضائل في العبادات والمعاملات بما فيها من أفعال الخير والتسامح، والعطاء من دون منة، والتواضع، والسلوكيات الأخلاقية، والقيام بالواجب، والمسؤولية الفردية تجاه الآخر والمجتمع عموماً.
لقد حل الشهر الفضيل ونحن، والعالم أجمع، في خضم مواجهة وباء كوفيد-19، الذي لم تتوصل الأبحاث الطبية إلى لقاح ضده، أو علاج شاف منه بعد.ولكن العمل جار للتوصل إليها وإنتاجها وتوزيعها، ما يتطلب أقصى درجات التعاون الدولي.
وحتى ذلك الحين لا تستطيع المجتمعات أن تحمي نفسها منه إلا بالحد من الانتشار والوقاية، اللذين يقومان أساساً على ما أصبح يسمى “التباعد الاجتماعي”، فلا عدوى دون اختلاط، والتعقيم والوقاية الشخصية على أنواعها، والعزل المنزلي وغير المنزلي للمشتبه بتعرضهم للعدوى، أو المعرضين أكثر من غيرهم لمضاعفات المرض.
لقد أدركنا مبكراً خطورة الأزمة، واعتمدنا على خبراتنا في إدارة الأزمات، وعلى مؤسساتنا وطواقمنا الطبية، مستفيدين من أفضل التجارب والممارسات العالمية، ومن نجاحات الآخرين وإخفاقاتهم، كل هذا بالتعاون مع المنظمات الدولية.
لقد كان واضحاً بالنسبة لنا أن الحالة استثنائية ومختلفة عما شهده العالم المعاصر من أوبئة، وأن الحفاظ على حياة الناس يتطلب تطبيق الإجراءات الصارمة التي اتخذناها من تعليق التعليم في المدارس والجامعات، وتقليل الاختلاط في الأماكن العامة وإغلاق المجمعات التجارية ومراكز الترفيه والحدائق والمرافق العامة، وتقليص عدد العاملين المتواجدين في المؤسسات الحكومية والخاصة، وتقليص ساعات العمل، وغيرها.
وراعينا أن هذه الإجراءات لن تكون ناجعةً إذا لم ترافقها حملة فحوص واسعة لتشخيص المصابين وتقصي شبكة اختلاطهم، لا سيما وأن أعراض المرض لا تظهر على المصاب إلا بعد مدة كافية لنقل العدوى للآخرين دون أن يدري.
ومنذ اليوم الأول اتبعنا الشفافية، نهجنا الأصيل، وأحد أهم شروط الوقاية، فإخفاء الحقائق يعرض الناس للخطر.
إن الطرف الأول في هذه المعادلة هو الدولة ومؤسساتها، أما الطرف الثاني فهو المواطن المسؤول الملتزم بالتعليمات، والممتنع عن الاختلاط أو الخروج من بيته لغير الضرورة القصوى والملتزم بالتعقيم وغيره من إجراءات الوقاية الشخصية.
يجب أن يدرك كل فرد أن إهماله لن يؤدي فقط إلى إصابته، بل أيضاً إلى تعريض الآخرين للخطر.
وقد حرصت الدولة أن توفر جميع مستلزمات الوقاية الفردية في الأسواق. وتأسست مصانع لم تكن قائمةً لتوفير بعـض هـذه المستلزمـات.
وقد عززنا الطواقم الطبية والتجهيزات اللازمة، وأنشأنا مستشفيات ميدانيةً تتسع للآلاف، ونتمنى أن لا نحتاج إلى استخدامها.
وهذه مناسبة لأشكر باسمكم جميعاً وباسمي أفراد الطواقم الطبية من مواطنين ومقيمين، الذين يعملون بإخلاص وتفان على الجبهة الأمامية في مواجهة الوباء، والشرطة وأجهزة الأمن وأجهزة الإدارة وجميع العاملين في طواقم الأزمة،والعاملين في الخدمات الحيوية في الدولة والقطاعات الاقتصادية التي لا يمكننا الاستغناء عنها حتى في هذه الظروف.
كما نشيد بعشرات الآلاف من المتطوعين الذين بادروا لتقديم العون لأجهزة الدولة وتقديم المساعدة اللازمة لمن يحتاجها. وهذا مصدر فخر لنا ودليل على درجة عالية من الوعي الاجتماعي. نحن نقدر ما تقومون به، وأطلب منكم جميعاً أن تنتبهوا لأنفسكم.
لقد ابتكرت وسائل عديدة لمواصلة العمل عن بعد في المنازل في المجالات التي تتيح ذلك. وتسجل عملية التعليم عن بعد في المدارس والجامعات نجاحاً مهماً. وسوف ندرس بالتشاور مع الهيئات المختصة التوقيت المناسب لفتح تدريجي لمجالات مختلفة، لكن فقط بعد أن نتأكد من حصر الحالات التي تحتاج إلى حجر، ومن التزام الأفراد والمؤسسات والمحال التجارية والمرافق المختلفة بإجراءات الوقاية المشددة. فلن نجازف إطلاقاً بصحة الناس.
ويجب أن تستمر عملية الفحص وتشخيص الحالات التي تحتاج إلى عزل حتى بعد العودة إلى ممارسة حياة عادية، وإلا فإن الوباء سوف يتفشى من جديد. ولن نتردد باتخاذ الاجراءات اللازمة مرةً أخرى إذا اقتضت الحاجة.
الإخوة والأخوات،
لقد رصدت الدولة مبالغ كبيرة لمواجهة الوباء وليعبر اقتصادنا المرحلة الحرجة بسلام. وقد وجهت بتقديم حزمة من المحفزات المالية والاقتصادية للقطاع الخاص.
نحن ندرك طبيعة التحدي غير المسبوق الذي نمر به، وتمر به جميع الدول والمجتمعات، وندرك أيضاً قدرة شعبنا وصلابته ووحدته التي نستمد منها العزم والكفيلة بالتغلب على هذا الوباء، بإذن الله.
وعلينا أن نتعاون ونتكاتف جميعاً لكي نواجه تبعات الوباء الاقتصادية المتمثلة بانخفاض أسعار النفط والركود المحتمل في الاقتصاد العالمي. ثمة ظروف موضوعية تؤشر إلى أن المرحلة القادمة لن تكون سهلةً اقتصادياً ومالياً على أي دولة من الدول المنخرطة في الاقتصاد العالمي، فضلاً عن الدول التي يعتبر تصدير الطاقة مصدر دخلها الرئيس.
وسوف نتخذ الخطوات والإجراءات اللازمة لعبور تلك المرحلة. وقد بدأنا بإجراء الدراسات ووضع الخطط لذلك. وسوف يكون تعاونكم معنا ضرورياً لمواجهة تداعيات الوباء مستقبلاً. هذا ما تقتضيه المسؤولية الوطنية.
لا يجوز أن يبقى اقتصادنا رهينة التقلبات في أسعار الطاقة، وقد وجهت مجلس الوزراء للقيام بإصلاحات جذرية تحرر اقتصادنا وتحد من آثار مثل هذه التغيرات عليه في المستقبل. ليس هذا الموضوع جديداً، فسبق أن تناولناه مراراً وتكراراً، ولكن آن أوان الفعل.
وأتوجه في هذه المناسبة إلى قادة دول العالم، ولا سيما الدول الصناعية الكبرى، وإلى المنظمات الدولية ذات الصلة، وأدعوهم إلى التعاون، لا التنافس، في مجال انتاج اللقاحات والعلاجات، كما أؤكد أنه لن يكون بالإمكان مواجهة ما سوف يخلفه الوباء من تبعات اقتصادية واجتماعية دون تعاون وتنسيق دوليين على أعلى وأشمل مستوى ممكن.
وفي الختام أبشركم أننا في قطر نسير بخطى واثقة على الطريق الصحيح.
﴿إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب﴾. صدق الله العظيم.
تقبل الله صيامكم وصالح أعمالكم. مبارك عليكم الشهر.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،